فصل: خلع السلطان على الأمير آقباي المؤيدي الدوادار بنيابة حلب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم

 خلع السلطان على الأمير آقباي المؤيدي الدوادار بنيابة حلب

عوضًا عن إينال الصصلاني وعلى الأمير يشبك شاد الشرابخاناه بنيابة طرابلس عوضًا عن سودون من عبد الرحمن وعلى الأمير جارقطلو بنيابة حماة عوضًا عن إنيه تنبك البجاسي‏.‏

وأخذ السلطان في تمهيد أمور حلب مدة ثم خرج منها عائدًا إلى جهة الشام حتى نزل بحماة وعزم على الإقامة بها حتى ينفصل فصل الشتاء‏.‏

فأقام بها أيامًا حتى بلغه عن القاهرة غلو الأسعار واضطراب الناس بالديار المصرية لغيبة السلطان وفتنة العربان فخرج من حماة وعاد وحتى قدم إلى دمشق وأمسك بها سودون القاضي رأس نوبة النوب وخلع على الأمير برد بك قصقا واستقر به عوضه رأس نوبة النوب وسجن سودون القاضي بدمشق‏.‏

ثم خرج السلطان منها يريد الديار المصرية إلى أن قاربها فنزل المقام الصارمي إبراهيم ابن السلطان من قلعة الجبل وسار إلى لقاء والده ومعه الأمير كزل العجمي أمير جاندار وسودون قراصقل حاجب الحجاب في عدة من المماليك السلطانية حتى التقاه وعاد صحبته حتى نزل السلطان على السماسم شمالي خانقاه سرياقوس في يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة من سنة ثماني عشرة وثمانمائة‏.‏

وركب في الليلة المذكورة إلى أن نزل بخانقاه سرياقوس وعمل بها مجتمعًا بالقراء والصوفية وجمع فيه نحو عشر جوق من أعيان القراء وعدة من المنشدين أصحاب الأصوات الطيبة ومد لهم أسمطة جليلة‏.‏

ثم بعد فراغ القراء والمنشدين أقيم السماع في طول الليل ورقصت أكابر الفقراء الظرفاء وجماعة من أعيان ندمائه بين يديه الليل كله نوبة وهو جالس معهم كأحدهم هذا وأنواع الأطعمة والحلاوات تمد شيئًا بعد شيء بكثرة والسقاة تطوف على الحاضرين بالمشروب من السكر المذاب فكانت ليلة تعد من الليالي الملوكية لم يعمل بعدها مثلها‏.‏

ثم أنعم على القراء والمنشدين بمائة ألف درهم‏.‏

وركب بكرة يوم السبت سادس عشر ذي الحجة المذكورة من الخانقاه حتى نزل بطرف الريدانية فأقام بها ساعة ثم ركب وشق القاهرة حتى طلع إلى القلعة من يومه وقد زينت له لقاهرة أحسن زينة فكان لقدومه إلى الديار المصرية يومًا من الأيام المشهودة‏.‏

وبعد طلوعه إلى القلعة أصبح من الغد نادى بالقاهرة بالأمان وأن الأسعار بيد الله تعالى فلا يتزاحم أحد على الأفران‏.‏

ثم تصدى السلطان بنفسه للنظر في الأسعار‏.‏

وعمل معدل القمح وقد بلغ سعر الإردب منه أزيد من ستمائة درهم إن وجد والإردب الشعير إلى أربعمائة درهم فانحط السعر لذلك قليلًا وسكن روع الناس لكون السلطان ينظر في مصالحهم‏.‏

قلت‏:‏ هذا من واجبات العمل ولعل الله سبحانه وتعالى أن يغفر للمؤيد ذنوبه بهذه الفعلة فإن ذلك هو المطلوب من الملوك وهو حسن النظر في أحوال رعيتهم - انتهى‏.‏

ثم في يوم الاثنين خامس عشرينه خلع السلطان على الأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار الثاني باستقراره دوادارًا كبيرًا عوضًا عن الأمير آقباي المؤيدي المنقول إلى نيابة حلب وخلع على الأمير يشبك الجكمي باستقرارة دوادارًا ثانيًا عوضًا عن جقمق‏.‏

قلت‏:‏ وكان الدوادار الثاني يوم ذاك لا يحكم بين الناس وليس على بابه نقباء وكذلك الرأس نوبة الثاني وأول من حكم ممن ولي هذه الوظيفة قرقماس الشعباني وممن ولي رأس نوبة ثاني آقبردي المنقار - انتهى‏.‏

ثم أمر السلطان الملك المؤيد بالنداء بمنع المعاملة بالدنانير الناصرية وقد تزايد سعر الذهب حتى بلغ المثقال الذهب إلى مائتين وستين درهمًا والناصري إلى مائتين وعشرة فرسم السلطان بأن يكون سعر المثقال الذهب بمائتين وخمسين والإفرنتي بمائتين وثلاثين وأن تنقص الناصرية ويدفع فيها من حساب مائة وثمانين درهمًا الدينار‏.‏

ثم في أول محرم سنة تسع عشرة وثمانمائة دفع السلطان للطواشي فارس الخازندار مبلغًا كبيرًا وأمره أن ينزل إلى القاهرة ويفرقه في الجوامع والمدارس والخوانق فتوسع الناس بذلك وكثر الدعاء له‏.‏

ثم فرق مبلغًا كبيرًا أيضًا على الفقراء والمساكين فأقل ما ناب الواحد من المساكين خمسة مؤيدية فضة عنها خمسة وأربعون درهمًا فشمل بره عدة طوائف من الفقراء والضعفاء والأرامل وغيرهم فكان جملة ما فرقه في هذه النوبة الأخيرة أربعة الآف دينار فوقع تفرقة هذا المال من الفقراء موقعًا عظيمًا‏.‏

هذا والغلاء يتزايد بالقاهرة وضواحيها والسلطان مجتهد في إصلاح الأمر لا يفتر عن ذلك وأرسل الطواشي مرجان الهندي الخازندار إلى الوجه القبلي بمال كثير ليشتري منه القمح ويرسله إلى القاهرة توسعةً على الناس‏.‏

ثم أخذ السلطان في النظر في أحوال الرعية بنفسه وماله حتى إنه لم يدع لمحتسب القاهرة في ذلك أمرًا فمشى الحال بذلك ورد رمق الناس - سامحه الله تعالى وأسكنه الجنة‏.‏

ثم في أول صفر من سنة تسع عشرة المذكورة أمر السلطان بعزل جميع نواب القضاة الأربعة وكان عدتهم يومئذ مائة وستة وثمانين قاضيًا بالقاهرة سوى من النواحي وصمم السلطان على أن كل قاض يكون له ثلاثة نواب لا غير هؤلاء كفاية للقاهرة وزيادة‏.‏

قلت‏:‏ وما كان أحسن هذا لو دام أو استمر وقد تضاعف هذا البلاء في زماننا حتى خرج عن الحد وصار لكل قاض عدة كبيرة من النواب - انتهى‏.‏

ثم فشا الطاعون في هذا الشهر بالقاهرة‏.‏

ووقع الاهتمام في عمارة الجامع المؤيدي بالقرب من باب زويلة وكان قبل ذلك عمله على التراخي‏.‏

ثم تكلم أرباب الدولة مع السلطان في عود نواب القضاة وأمعنوا في ذلك ووعدوا بمال كبير فرسم السلطان بجمع القضاة الثلاثة وكان قاضي القضاة علاء الدين بن مغلي الحنبلي مسافرًا بحماة وتكلم معهم فيما رسم به وصمم على ذلك - رحمه الله‏.‏

أهذا وأرباب وظائفه الظلمة البلاصية تمعن في الكلام معه في ذلك ولازالوا به بعد أن خوفوه بوقوف حال الناس من قلة النواب وأشياء غير ذلك إلى أن استقر الحال على أن يكون نواب القاضي الشافعي عشرة ونواب القاضي الحنفي خمسة ونواب القاضي المالكي أربعة وانفض المجلس على هذا بعد أن عجز مباشرو الدولة في أن يسمح بأكثر من ذلك‏.‏

وبعد خروج القضاة من المجلس ضمن لهم بعض أعيان الدولة من المباشرين الظلمة العواتية - عليه من الله ما يستحقه - برد جماعة أخر بعد حين‏.‏

هذا والناس في غاية السرور بما حصل من منع القضاة للحكم بين الناس‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير قطلوبغا باستقراره في نيابة الإسكندرية عوضًا آقبردي المنقار بحكم عزله وكان قطلوبغا هذا ممن أنعم عليه الأمير تمربغا الأفضلي المدعو منطاش بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية ثم أخرج الملك الظاهر برقوق إقطاعه وجعله بطالًا سنين طويلة حتى افتقر وطال خموله واحتاج إلى السؤال إلى أن طلبه الملك المؤيد من داره وولاه نيابة الإسكندرية من غير سؤال‏.‏

قلت‏:‏ وهذه كانت عادة ملوك السلف أن يقيموا من حطه الدهر وينتشلوا ذوي البيوتات من الرؤساء وأرباب الكمالات‏.‏

وقد ذهب ذلك كله وصار لا يترقى في الدول إلا من يبذل المال ولو كان من أوباش السوقة لشره الملوك في جمع الأموال - ولله در المتنبي حيث يقول‏:‏ الطويل‏.‏

ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر حدثني بعض من حضر قطلوبغا المذكور لما طلبه المؤيد ليستقر به في نيابة الإسكندرية قال‏:‏ فعند حضوره قال له السلطان‏:‏ أوليك نيابة الإسكندرية‏.‏

فمسك قطلوبغا المذكور لحيته البيضاء وقال‏:‏ يا مولانا السلطان أنا لا أصلح لذلك وإنما أريد شبع بطني وبطن عيالي - يظن أن السلطان يهزأ به - فقال له السلطان‏:‏ لا والله إنما كلامي على حقيقته‏.‏

ثم طلب له التشريف وأفاضه عليه وأمده بالخيل والقماش - انتهى‏.‏

ثم في ثاني عشر شهر ربيع الأول أمسك السلطان الأستادار بدر الدين حسن بن محب الدين بعد أن أوسعه سبًا وعوقه نهاره بقلعة الجبل حتى شفع فيه الأمير جقمق الدوادار على أن يحمل ثلاثمائة ألف دينار فأخذه جقمق ونزل به إلى داره‏.‏

ثم أرسل السلطان تشريفًا إلى فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج وهو كاشف الوجه البحري باستقراره أستادارًا عوضًا عن ابن محب الدين المقدم ذكره ثم تقرر الحال على ابن محب الدين أنه يحمل مائة ألف دينار وخمسين ألف دينار بعد ما عوقب وعصر في بيت الأمير جقمق عصرًا شديدًا ثم نقل من بيت جقمق إلى بيت فخر الدين بن أبي الفرج فتسلمه فخر الدين المذكور عندما حضر إلى القاهرة‏.‏

هذا وقد ارتفع الطاعون بالديار المصرية وظهر بالبلاد الشامية‏.‏

ثم في سابع جمادى الآخرة من سنة تسع عشرة المقدم ذكرها أمر السلطان أن الخطباء إذا أرادوا الدعاء للسلطان على المنبر في يوم الجمعة أن ينزلوا درجة ثم يدعوا للسلطان حتى لا يكون ذكر السلطان في الموضع الذي يذكر فيه اسم الله عز وجل واسم نبيه صلى الله عليه وسلم تواضعًا لله تعالى ففعل الخطباء ذلك وحسن هذا ببال الناس إلى الغاية وعدت هذه الفعلة من حسناته رحمه الله‏.‏

ثم تكررت صدقات السلطان في هذه السنة مرارًا عديدة على نقدات متفرقة‏.‏

هذا وقد ألزم السلطان مباشري الدولة بالرخام الجيد لأجل جامعه فطلب الرخام من كل جهة حتى أخذ من البيوت والقاعات والأماكن التي بالمفترجات‏.‏

ومن يومئذ عز الرخام بالديار المصرية لكثرة ما احتاجه الجامع المذكور من الرخام لكبره وسعته وهو أحسن جامع بني بالقاهرة في الزخرفة والرخام لا في خشونة العمل والإمكان وقد اشتمل ذلك جميعه في مدرسة السلطان حسن بالرميلة ثم في مدرسة الملك الظاهر برقوق ببين القصرين‏.‏

ولم يعب على الملك المؤيد في شيء من بناء هذا الجامع إلا أخذه باب مدرسة السلطان حسن والتنور الذي كان به - وكان اشتراهما السلطان حسن بخمسمائة دينار وكان يمكن الملك المؤيد أن يصنع أحسن منهما لعلو همته - فإن في ذلك نقص مروءة وقلة أدب من جهات عديدة‏.‏

وكان وعدني بعض أعيان المماليك المؤيدية أنه إن طالت يده في التحكم أن يصنع بابًا وتنورًا للجامع المؤيدي المذكور أحسن منهما ثم يردهما إلى مكانهما من مدرسة السلطان حسن فقبضه الله قبل ذلك - رحمه الله تعالى‏.‏

وكان نقل هذا الباب والتنور من مدرسة السلطان حسن إلى مدرسة الملك المؤيد في يوم الخميس سابع عشرين شوال من السنة المذكورة‏.‏

ثم بدا للسلطان الملك المؤيد السفر إلى البلاد الشامية لما اقتضاه رأيه وعلق جاليش السفر في يوم الاثنين خامس المحرم من سنة عشرين وثمانمائة وهذه سفرة الملك المؤيد شيخ الثالثة إلى البلاد الشامية من يوم تسلطن‏:‏ فالأولى في سنة سبع عشرة وثمانمائة لقتال الأمير نوروز الحافظي نائب الشام والثانية في سنة ثماني عشرة وثمانمائة لقتال الأمير قاني باي المحمدي نائب الشام وهذه سفرته الثالثة‏.‏

وتجهز السلطان للسفر وأمر أمراءه وعساكره بالتجهيز‏.‏

فلما كان خامس عشر المحرم جلس السلطان لتفرقة النفقات فحمل إلى كل من أمراء الألوف ألفي دينار وأعطى لكل مملوك من المماليك السلطانية ثمانية وأربعين دينارًا صرفها يوم ذاك عشرة الآف درهم‏.‏

وبينما السلطان يتهيأ للسفر قدم عليه الخبر في ثالث عشرين المحرم بوصول الأمير آقباي المؤيدي نائب حلب إلى قطيا في ثماني هجن فكثرت الأقوال في مجيئه على هذه الهيئة‏.‏

ورسم السلطان بتلقيه فسار إليه الأمراء وأرباب الدولة إلى خانقاه سرياقوس وجهز له السلطان فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش وكاملية مخمل بفرو سمور بمقلب سمور‏.‏

وقدم آقباي المذكور من الغد في يوم السبت رابع عشرين المحرم فلامه السلطان ووبخه وعنفة على حضوره إلى القاهرة في هذه المدة اليسيرة على هذا الوجه من غير أمر يستحق ذلك فإنه سار من حلب إلى مصر في أقل من عشرة أيام ة فاعتذر آقباي أن ما أحوجه لذلك ما أشيع عنه في عزم الخروج عن الطاعة ثم استغفر مما وقع منه فخلع عليه السلطان باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن الأمير ألطنبغا العثماني‏.‏

ورسم السلطان للأمير آقبغا التمرازي أمير آخور ثاني بالتوجه إلى الشام ليقبض على ألطنبغا العثماني ويودعه بسجن قلعة دمشق والحوطة على موجوده‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير قجقار القردامي أمير سلاح باستقراره في نيابة حلب عوضًا عن آقباي المذكور وأنعم السلطان بإقطاع قجقار على الأمير بيبغا المظفري أمير مجلس‏.‏

ثم خرجت مدورة السلطان إلى الريدانية خارج القاهرة ودخل المحمل في ذلك اليوم إلى القاهرة صحبة أمير حاج المحمل الأمير أزدمر من على جان المعروف بأزدمر شايا‏.‏

ثم في خامس عشرين المحرم المذكور ركب السلطان من قلعة الجبل بأمرائه وعساكره ونزل بمخيمه بالريدانية خارج القاهرة تجاه مسجد التبن وخلع على الشيخ شمس الدين محمد بن يعقوب التباني باستقراره في حسبة القاهرة وعزل عنها منكلي بغا العجمي الحاجب‏.‏

ثم في سابع عشرينه خلع السلطان على الأمير آقباي نائب الشام خلعة السفر وسافر من يومه جريدةً على الخيل‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير طوغان أمير آخور السلطان قديمًا باستقراره في نيابة الغيبة وعلى الأمير أزدمر من على جان المعروف شايا المقدم ذكره بنيابة قلعة الجبل وأقر عدة أمراء أخر بالديار المصرية‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير قجقار القردمي نائب حلب خلعة السفر وسار أيضًا من يومه‏.‏

ثم تقدم جاليش السلطان أمامه فيه جماعة من الأمراء ومقدم الجميع ولده المقام الصارمي إبراهيم‏.‏

ثم سار السلطان ببقية عساكره من الريدانية في يوم الثلاثاء رابع صفر يريد البلاد الشامية وصحبته الخليفة والقضاة الأربعة ومعه أيضًا من ورد عليه من القصاد في السنة الخالية وهم جماعة‏:‏ قاصد قرا يوسف صاحب بغداد وغيرها من العراق وقاصد سليمان بن عثمان صاحب الروم وقاصد بير عمر صاحب أرزنكان وقاصد ابن رمضان‏.‏

وتأخر بالقاهرة الأستادار فخر الدين بن أبي الفرج والصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخواص‏.‏

ورسم طوغان نائب الغيبة بأمر السلطان بهدم البيوت التي فوق البرج المجاورة لباب الفتوح من القاهرة ليعمل ذلك سجنًا لأرباب الجرائم عوضًا عن خزانة شمائل التي كانت موضع المدرسة المؤيدية وسمي هذا السجن بالمقشرة‏.‏

وأما السلطان فإنه سار حتى دخل دمشق في أول شهر ربيع الأول بعد أن مات الأمير آقبردي المؤيدي المنقار أحد مقدمي الألوف بطريق دمشق وكان خرج من القاهرة مريضًا في محفة وأنعم السلطان بإقطاعه على الأمير سودون القاضي بعد أن أخرجه من السجن‏.‏

ثم كتب الأمير طوغان نائب الغيبة يعزف السلطان بموت فرج ابن الملك الناصر فرج في يوم الجمعة سادس عشرين شهر ربيع الأول مسجونًا بثغر الإسكندرية وقد ناهز الاحتلام‏.‏

وبموته انكسرت حدة المماليك الظاهرية والناصرية وكان في كل قليل يكثر الكلام بأن المماليك الظاهرية يثورون وينصبونه في السلطنة وكانوا لا يزالون يتربصون الدوائر لأجل ذلك فبطل عزمهم بموته‏.‏

وأقام السلطان بدمشق أيامًا ثم خرج منها يريد حلب وسار حتى وصل تل السلطان فتقدم وصف الأطلاب بنفسه - وكان إمامًا في هذا الشأن ومعرفة تعبئة للعساكر - فرتب أطلاب الأمراء أولًا كل واحد في منزلته وليس ذلك بمنزلته في الجلوس بين يدي السلطان وإنما بحسب وظيفته فإن لكل صاحب وظيفة منزلة يمشي طلبه فيها أمام طلب السلطان - أخذت أنا هذا العلم عن آقبغا التمرازي وعن السيفي طرنطاي الظاهري شاد القصر السلطاني - انتهى‏.‏

ثم سار السلطان أمام طلبه في يوم السبت حادي عشرين شهر ربيع الأول عند انشقاق الفجر ومر بطلبه من ظاهر حلب ومعه جميع الأمراء بأطلابهم حتى نزل بالمسطبة الظاهرية في المخيم‏.‏

ومر من داخل مدينة حلب نائب الشام ونائب طرابلس ونائب حماة ونائب صفد ونائب غزة وعدة كبيرة من التركمان والعربان حتى خرجوا من الباب الآخر فهال الناس هذه الرؤية الغريبة من كثرة العساكر التي قدمت حلب من ظاهرها وباطنها وأقام السلطان بمخيمه بالمسطبة أيامًا ينتظر عود القصاد الذين وجههم للأطراف‏.‏

ثم في يوم الاثنين ثالث عشرين شهر ربيع الأول جلس السلطان بالميدان وعمل به الموكب السلطاني وحضره نواب البلاد الشامية والعساكر المصرية فجلس عن يمين السلطان الأتابك ألطنبغا القرمشي وتحته آقباي المؤيدي نائب الشام ثم بيبغا المظفري أمير مجلس ثم يشبك المؤيدي نائب طرابلس ثم جماعة كل واحد في رتبته وجلس عن يسار السلطان ولده المقام الصارمي إبراهيم ثم قجقار القردمي نائب حلب ثم تنبك العلائي ميق الأمير آخور الكبير ثم جارقطلو نائب حماة ثم برد بك قصقا رأس نوبة النوب ثم الأمير ططر ثم جماعة أخر كل واحد في منزلته‏.‏

ثم عين السلطان الأمير آقباي نائب الشام والأمير جارقطلو نائب حماة ومعهما خمسمائة ماش من التركمان الأوشرية والإينالية وفرقة من عرب آل موسى ليتوجه الجميع إلى جهة ملطية لإخراج حسين بن كبك منها ثم إلى كختا وكركر‏.‏

ثم قدم السلطان الجاليش بين يديه وفيه الأتابك ألطنبغا القرمشي ويشبك اليوسفي المؤيدي نائب طرابلس وخليل الدشاري التبريزي نائب صفد في عدة أخر من أمراء مصر فساروا إلى جهة العمق‏.‏

ثم ركب السلطان ودخل مدينة حلب وأقام بها إلى أن ركب منها في بكرة يوم الاثنين ثاني شهر ربيع الآخر وسار إلى جهة العمق على درب الأتارب فقدم عليه بالمنزلة المذكورة قاصد الأمير ناصر الدين بك بن قرمان بهدية وكتاب يتضمن أنه ضرب السكة المؤيدية ودعا للسلطان في الخطبة بجميع معاملته وبعث من جملة الهدية طبقًا فيه جملة دراهم بالسكة المؤيدية فعنف السلطان رسوله ووبخه وعدد له خطأ مرسله من تقصيره في الخدمة وذكر له ذنوبًا كثيرة فاعتذر الرسول عن ذلك كله وسأل السلطان الصفح عنه فقال السلطان‏:‏ إني ما سرت وتكلفت هذه الكلفة العظيمة إلا لأجل طرسوس لا غير ثم فرق الدراهم على الحاضرين وصرف الرسول إلى جهة نزل فيها‏.‏

وعمل السلطان الخدمة في يوم السبت سابع شهر ربيع الآخر بالعمق وحلف التركمان على طاعته وأنفق فيهم الأموال وخلع عليهم نحو مائتي خلعة وألبس إبراهيم بن رمضان الكلفتة وخلع عليه‏.‏

ثم تقرر الحال على أن قجقار القردمي نائب حلب يتوجه بمن معه إلى مدينة طرسوس ويسير السلطان على مدينة مرعش إلى أبلستين ويتوجه رسول ابن قرمان بجوابه ويعود إلى السلطان في مستهل جمادى الأولى بتسليم طرسوس فإن لم يحضر مشى السلطان على بلاده فسار الرسول صحبة نائب حلب إلى طرسوس‏.‏

وسار السلطان إلى أبلستين فنزل بالنهر الأبيض في حادي عشرة فقدم عليه كتاب قجقار القردمي نائب حلب بأنه لما نزل بغراس قدم عليه خليفة الأرمن وأكابر الأرمن وعلى يدهم مفاتيح قلعة سيس وأنه جهزهم إلى السلطان‏.‏

فلما مثلوا بين يدي السلطان خلع عليهم وأعادهم إلى القلعة بعد أن ولى نيابة سيس للشيخ أحمد أحد أمراء العشرات بحلب‏.‏

ثم رحل السلطان حتى نزل بمنزلة كونيك فقدم عليه بها كتاب آقباي نائب الشام بأن حسين بن كبك أحرق ملطية وأخذ أهلها وفر منها في سابع عشر شهر ربيع الأول وأنه نزل بملطية وشاهد ما بها من الحريق وأنه لم يتأخر بها إلا الضعيف العاجز وأن فلاحي بلادها نزحوا بأجمعهم عنها وأن ابن كبك نزل عند مدينة دوركي فندبه السلطان أن يسير خلفه حيث سار‏.‏

ثم أمر السلطان ولده المقام الصارمي إبراهيم ليتوجه إلى أبلستين ومعه الأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار وجماعة من الأمراء لكبس الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادرة فساروا مجدين فصابحوا أبلستين وقد فر منها ابن دلغادر وأجلى البلاد من سكانها فجدوا في السير خلفه ليلًا ونهارًا حتى نزلوا بمكان يقال له كل دلي في يوم خامس عشرة وأوقعوا بمن فيه من التركمان وأخذوا بيوتهم وأحرقوها‏.‏

ثم مضوا إلى خان السلطان‏.‏

فأوقعوا أيضًا بمن كان هناك وأحرقوا بيوتهم وأخذوا من مواشيهم شيئًا كثيرًا‏.‏

ثم ساروا إلى مكان يقال له صاروس ففعلوا بهم كذلك وباتوا هناك‏.‏

ثم توجهوا يوم سادس عشرة فأدركوا ناصر الدين بك بن دلغادر وهو سائر بأثقاله وحريمه فتتبعوه وأخذوا أثقاله وجميع ما كان معه ونجا ابن دلغادر بنفسه على جرائد الخيل ووقع في قبضتهم عدة من أصحابه ثم عادوا إلى السلطان بالغنائم ومن جملتها مائة جمل بختي وخمسمائة جمل نفر ومائة فرس هذا سوى ما نهب وأخذه العسكر من الأقمشة الحرير والأواني الفضية ما بين بلور وفضيات وبسط وفرش وأشياء كثيرة لا تدخل تحت حصر فسر السلطان بذلك وصار السلطان يتنقل في مراعي الجستين حتى قدم عليه آقباس نائب الشام بعد أن سار في أثر حسين بن كبك إلى أن بلغه أنه دخل إلى بلاد الروم وبعد أن قرر أمر ملطية بعود أهلها إليها وبعد أن جهز الأمير جارقطلو نائب حماة ومعه نائب البيرة ونائب قلعة الروم ونائب عين تاب في عدة من الأمراء إلى كختا وكركر فنازلوا القلعتين وقد أحرق نائب كختا أسواقها وتحصن بقلعتها فبعث السلطان إليهم نجدةً فيها ألف ومائتا ماش‏.‏

ثم قدم كتاب ناصر الدين بك بن دلغادر على السلطان يسأل العفو عنه على أن يسلم قلعة درندة فأجيب إلى ذلك‏.‏

وأما قجقار القردمي نائب حلب فإنه لما توجه إلى طرسوس قدم بين يديه إليها الأمير شاهين الايدكاري متوليها من قبل السلطان فوجد ابن قرمان قد بعث نجمة إلى نائبه بها وهو الأمير مقبل‏.‏

فلما بلغ مقبلًا المذكور مجيء العساكر السلطانية إليه امتنع بقلعتها فنزل شاهين الأيدكاري وقجقار القردمي عليها‏.‏

وكتب قجقار إلى السلطان بذلك فأجابهم السلطان بالاهتمام في حصارها وحرضهم على ذلك فلا زالوا على حصارها حتى أخذوها بالأمان في يوم الجمعة ثامن عشر شهر ربيع الأول وسجنوا مقبلًا وأصحابه‏.‏

ثم انتقل السلطان إلى منزلة سلطان قشي فقدم عليه بها قاصد الأمير علي بك بن دلغادر بهدية‏.‏

ثم قدم ناصر الدين بك بن دلغادر مع ولده وصحبته كواهي ومفاتيح قلعة درندة فأضاف السلطان نيابة أبلستين إلى علي بك بن دلغادر مع ما بيده من نيابة مرعش‏.‏

ثم ركب السلطان ليرى درندة وسار إليها على جرائد الخيل حتى نزل عليها وبات بظاهرها فامتنعت عليه‏.‏

وأصبح فرتب الأمير آقباي نائب الشام في إقامته عليها وأردفه بآلات الحصار والصناع من الزردخاناه السلطانية‏.‏

وعاد السلطان إلى مخيمه فوصل إليه في تلك الليلة مفاتيح قلعة خندروس من مضافات درندة‏.‏

ثم ركب السلطان من الغد وبات على سطح العقبة المطلة على درندة‏.‏

فلما أصبح ركب بعساكره وعليهم السلاح ونزل بمخيمه على قلعة درندة وهي في شدة من قوة الحصار‏.‏

فلما رأى من بها أن السلطان نزل عليهم طلبوا الأمان فأمنهم ونزلوا بكرة يوم الجمعة وفيهم داود ابن الأمير محمد بن قرمان فألبسه السلطان تشريفًا وأركبه فرسًا بقماش ذهب وخلع على جماعته‏.‏

واستولى السلطان على القلعة وخلع على الأمير ألطنبغا الجكمي أحد رؤوس النوب باستقراره في نيابة درندة وأنعم عليه بأربعة آلاف دينار غير السلاح‏.‏

وخلع على الأمير منكلي بغا الأرغون شاوي أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية بنيابة ملطية ودوركي وأنعم عليه بخمسة الآف دينار‏.‏

ثم طلع السلطان إلى قلعة درندة وأحاط بها علمًا‏.‏

ثم ارتحل عنها بعد أن مهد البلاد التي استولى عليها وعمل مصالحها وسار حتى نزل على النهر من غربي أبلستين بنحو مرحلة فأقام هناك أربعة أيام ليمكن كل من ولي نيابة على عمله ورجوع أهل بلده إليه‏.‏

ثم رحل ونزل على أبلستين يريد التوجه إلى بهسنا وكختا وكركر وأعاد من هناك حمزة بن علي بك بن دلغادر إلى أبيه وجهز له رايةً حمراء من الكمخا الإسكندراني ونفقةً وطبلخاناه‏.‏

وكان الأمير آقباي سار إلى بهسنا فقدم الخبر على السلطان من الأمير آقباي بأنه كتب إلى الأمير طغرق بن داود بن إبراهيم بن دلغادر المقيم بقلعة بهسنا يرغبه في الطاعة ويدعوه إلى الحضور إلى الحضرة الشريفة فاعتذر من حضوره بخوفه على نفسه‏.‏

فما زال به حتى سلم القلعة وحضر إليه‏.‏

فلما كان سادس عشر جمادى الأخرة قدم الأمير آقباي ومعه الأمير طغرق ومن كان معه بالقلعة وقد قارب السلطان في مسيره حصن منصور فخلع السلطان على طغرق ومن معه وأنعم عليهم وأنزل طغرق بخام ضرب له‏.‏

ونزل السلطان بحصن منصور فورد عليه الخبر بنزول قجقار القردمي على كركر وكختا وقدم أيضًا قاصد قرايلك صاحب آمد من ديار بكر بهدية فقبلها السلطان وخلع عليه‏.‏

ثم قدم أيضًا رسول الملك العادل سليمان صاحب حصن كيفا بهدية فقبلها السلطان أيضًا فلما كان الغد رحل السلطان ونزل شمالي حصن منصور قريبًا من كختا وكركر وأردف نائب حلب بالأمير جارقطلو نائب حماة وبجماعة من أمراء مصر والشام‏.‏

وبعث الأمير يشبك اليوسفي نائب طرابلس لمنازلة كختا وخلع على الأمير منكلي خجا الأرغون شاوي بنيابة قلعة الروم عوضًا عن الأمير أبي بكر بن بهادر البابيري الجعبري وخلع على الأمير كمشبغا الركني بنيابة بهسنا عوضًا عن الأمير طغرق بن دلغادر‏.‏

ثم قدم جواب الأمير قرا يوسف وقرا محمد صحبة القاضي حميد الدين قاضي عسكره وكتاب شاه أحمد بن قرا يوسف صاحب بغداد من قبل أبيه وكتاب بير عمر صاحب أرزنكان بهدية جليلة من قرا يوسف فأنزل حميد الدين المذكور بمخيمه وأجرى عليه ما يليق به‏.‏

ثم رحل السلطان حتى نزل على كختا وحصر قلعتها وقد نزح أهل كختا ومعامليها عنها فنصب المدافع للرمي على القلعة ورمى عليها‏.‏

وبينما هو في ذلك ورد الخبر على السلطان بقرب قرا يوسف قاصدًا قرايلك فبادر قرايلك وجهز ابنه حمزة صحبة نائبه شمس الدين أميرزه بهدية من خيل وشعير وسأل الاعتناء به فأكرم السلطان ولده ونائبه‏.‏

وقدم أيضًا قاصد طر علي نائب الرها وقاصد الأمير محمد بن دولة شاه صاحب أكل من ديار بكر ومعه مفاتيح قلعتها فقبلها السلطان ثم أعادها إليه ومعها تشريف له بنيابتها‏.‏

ولما اشتد الحصار على قلعة كختا وفرغ النقابون من النقب ولم يبق إلا إلقاء النار فيها طلب قرقماس نائبها شمس الدين أميرزه نائب قرايلك فبعثه السلطان إليه وتردد المذكور بينه وبين السلطان غير مرة إلى أن بعث قرقماس ولده رهنًا على أنه بعد رحيل السلطان عنه ينزل ويسلمها لمن يأمره السلطان بتسليمها‏.‏

ورحل السلطان إلى جهة كركر وترك الأمير جقمق الدوادار على كختا وسارت أثقال السلطان إلى عين تاب فنازل السلطان كركر ونصب عليها منجنيقًا يرمي بحجر زنته ما بين الستين والسبعين رطلًا بالدمشقي وكان ذلك في يوم الجمعة تاسع عشرين من جمادى الآخرة‏.‏